top of page

 أعلام المغرب العربي ، عبد الوهاب بن منصور

 

    هو الإمام العلامة مفخرة أهل زمانه ، صدر علماء عصره النابغة الشيخ أحمد أبي العباس بن علي بن عبد الرحمان المنجور ، كبير فقهاء المغرب الأقصى في أواخر القرن العاشر الهجري ، أصل سلفه من مدينة مكناس ثم انتقل منهم من انتقل إلى  سكنى مدينة فاس ، وكان أبوه علي كبير دار ملك بني وطاس وأمينها والقيم على أمورها ، كما كان جده عبد الرحمان من الأمناء أيضا ، وبفاس ولد المترجم عام 929 هـ على الأرجح ، ونشأ وأخذ عمن كان بها من علماء وفقهاء ضمن الفهرس أسماءهم وعرف فيه بهم وذكر مروياته عنهم ، كمحمد بن أحمد اليسيتني – وهو كان عمدته – وعبد الرحمان سقين العاصمي وعبد الواحد بن أحمد الونشريسي وعلي بن هارون المطغري ومحمد ابن مجبر المساري وعبد الوهاب الزقاق .

 

    وكان المنجور ثاقب الذهن ذكي القلب نجيبا مجدا مجتهدا سريع الفهم حسن الإدراك حريصا على تحصيل العلوم واستيعاب الفنون حتى استكمل حفظها وأثقن فهمها وصار ممن يشار إليه بالبنان فيها مع صغر سنه وفتاء عوده ووجود من هم أكبر منه سنا ، ولما أكمل التعلم والدراسة انصرف إلى التدريس والتأليف فأقبل عليه الطلبة من كل الآفاق وتنافسوا في حضور مجالسه العلمية لمهارته في التبليغ ، واستحسانهم طريقته في التدريس وقدرته على إيضاح الغامضات وحل المشكلات كما تنافس محبو العلم والمنسوبون إليه في استنساخ مؤلفاته و الاستشهاد بأقواله واستنتاجاته ، ومازالت درجته تعلو حتى صار شيخ الجماعة بلا منازع ، وطارت شهرته في جميع الآفاق وأدناه السلاطين والأمراء والولاة ، وتوددوا له وصاروا يستشيرونه ويحترمون رأيه ويعملون بنصحه عندما تدعوهم الحاجة إلى استشارته والتماس نصيحته ، وكان السلطان أحمد المنصور السعدي – على الخصوص يجله ويصله بجوائز سنية فلا يلقي لها بالا ويفرقها على الأرامل والضعفاء .

 

     وصفه مترجموه بعبارات طنانة رأينا أن نجمع شتاتها لنستدل منها مجموعة على قيمته ورأي الناس فيه ، وهي : إمام فقيه معقولي ، محدث  أصولي ، آية من آيات الله في المعقول والمنقول ،واسع العارضة والاطلاع ، ذو مهارة كاملة في جميع الفنون ، أحفظ أهل زمانه وأعرفهم بالتاريخ والبيان والمنطق والكلام والأصول والحديث والتفسير ، متبحر في العلوم كلها من معقول ومنقول ، عارف " برجال الحديث ، شديد العناية بالتحصيل ، قوي التحقيق عند الإلقاء والتقرير ،  معتن بالمطالعة والتقييد والإقراء  لا يمل ولا يضجر ،  منصف " في البحث والمذاكرة ، جنوح إلى الصواب مهما تعين وعند من تعين ، يميل مع الحق حيث كان،صدوق في النقل متثبت  في الإملاء ، قوي الإدراك ثاقب الدهن صافي الفهم  ، ذو خط فائق وأدب رائق ، خدم العلم عمره حتى ألقت إليه العويصات زمامها وبرز على الأقران وصار شيخ الجماعة في وقته ، وكان يحض على تعلم جميع العلوم ويتعلمها ويقول أنها كلها نافعة ، حتى أنه تعلم لعب الشطرنج فأتقنه ومهر فيه ، وصار المشار إليه بالبنان في معرفة دقائقه ، وتعلم تلاحين عود الغناء فكان يحرك بجس أوتاره قلوب العاشقين ، وبلغ الغاية القصوى في العقائد ، أما الأصول فهي عشه الذي فيه يدرج ، ويدخل فيه ويخرج ، وانفرد عن أهل زمانه بمعرفة تاريخ الملوك والسير والعلماء على طبقاتهم ومعرفة أيامهم ، وكان طبعه يحتد في بعض الأوقات حدة تمنع المتعلم من مراجعته والإكثار من مباحثته ، وكان مولعا بأمثلة العامة خصوصا عامة الأندلس ويستحسن لغتهم ولكنتهم ويثني عليهم وعلى بلادهم ويتشوق إليها ، وكان العلماء والطلاب يقولون أن فهمه لا يقبل الخطأ ، وكانت له طريقة خاصة في التدريس ، يجيد ترتيب النقول ويتأنق في كيفية الإلقاء  عبد من عُبَّاد الله الصالحين ، لا يفتر عن قراءة القرآن إلا في ساعة المطالعة أو التأليف أو الإقراء أو ضروريات الإنسان ، أروع الناس في النقل ، كاد أن لا يفارق لسانه : لا أدري ، أو حتى أَنظر، أو كلام يقرب من هذا ، دمث الأخلاق رقيق الحاشية ، متقشف " قانع " بما تيسر من المأكول والملبوس لا يحسن تدبير الدنيا ، وبالجملة فهو – كما قال بعضهم – آخر الناس في فاس ، ولم يكن مثله في الفنون بالمغرب ولا جاء بعده من أتقن مثل الذي أتقن من العلم .

 

     أخذ عنه عدد عديد من الطلبة صاروا فيما بعد من العلماء المبرزين والمؤرخين المرموقين ، منهم السلطان أحمد المنصور السعدي الملقب بالذهبي وأجازه وألف برسمه عددا من كتبه ، والشيخ يوسف بن محمد الفاسي المشهور بكنية أبي المحاسن ، وأحمد بابا السوداني مؤلف نيل الإبتهاج وأحمد بن محمد ابن القاضي صاحب المؤلفات العديدة في التاريخ وغيره وأجازه ، لازمه كثير – كما يقول عنه  في درة الحجال – من سنة خمس وسبعين إلى وفاته ، وما فارقه إلا زمن رحلته للمشرق أو زمن أسره فقط أو مدة أقامها بمراكش .

 

     ألف المنجور عدة تآليف ذكر أكثرها في آخر فهرسته ، جلها في الفقه والكلام والبلاغة ، منها :

     1-  أجوبة  في القراءات توجد منه نسخة مكتوبة بخط المؤلف على ما يظهر محفوظة تحت نمرة       8011 بالخزانة الحسنية بالرباط .

     2- أجوبة مجموعة في الفقه والكلام يوجد منها مخطوط مصور نمرته 318 ر73 بالخزانة العامة       بالرباط 

     3- تقريب لفهم شواهد الخزرجي في العروض توجد منه نسخة مخطوطة نمرتها 603 بالخزانة         الحسنية بالرباط .

     4- حاشية كبرى على شرح كبرى السنوسي في العقائد أمره السلطان أحمد المنصور السعدي بإخراجها    من مبيضتها الصعبة الدقيقة خط الطرر الملحقة الكثيرة جدا المدمجة ، فانقذت بذلك بعدما كادت              تندثر، توجد منها نسختان مخطوطتان بالخزانة الحسنية بالرباط ، أولاهما في مجلد ضخم نمرته              5011 والثانية نمرتها 575 كتبت في جمادى الثانية عام 1000 هـ .

     5- حاشية صغرى على شرح كبرى السنوسي ، توجد منها نسخة مخطوطة نمرتها 8054 بالخزانة     الحسنية بالرباط .

     6- شرح المنهج المنتخب ، إلى قواعد المذهب ، وهو شرح لارجوزة علي بن قاسم الزقاق التجيبي     الفاسي في قواعد المذهب المالكي ، طبعت مرتين بفاس طبعة حجرية .

     7- مراقي المجد ، لآيات السعد ، تفسير للآيات القرآنية الواردة في شرح سعد الدين التفتزاني لتلخيص المفتاح ، يوجد مخطوطا بالخزانة الحسنية بالرباط محفوظا تحت نمرات  176 و 5038 و 5302 .

     8- نظم الفرائد ، ومبدى الفوائد ، لمحصل المقاصد ، وهو شرح لقصيدة في التوحيد من نظم الفقيه   أحمد بن محمد ابن زكري التلمساني متقدم الترجمة (5: 97 ع 1440) .

     9- مختصر نظم الفرائد ، وهو مختصر الكتاب السابق توجد منه نسخة عتيقة في 300 صفحة كتبت في  أواخر ذي القعدة عام 997 محفوظة تحت نمرة 4147 بالخزانة الحسنية بالرباط .

     10-  شرح إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام أبي عبدالله مالك ،شرح لكتاب يضم 118 قاعدة من قواعد   المذهب المالكي التي سببت تفسيراتها اختلافا بين فقهائه من تأليف أحمد بن يحيى الونشريسي               سابق  الترجمة ( 5: 108 ع 1444 ).

     11-  شرح نظم علاقات المجاز ومرجحاته ، والنظم لأبي الفضل ابن الصباغ المكناسي ، توجد منه نسخة مخطوطة نمرتها 1032 د بالخزانة العامة بالرباط .

    12- الفهرس ، كتاب ذكر فيه شيوخه ومروياته عنهم أجاز به السلطان أحمد المنصور السعدي ، طبع  بالرباط عام 1396هـ - 1976م بتحقيق الأستاذ محمد حجي قيدوم كلية الآداب بالرباط ، الذي أشار          في هذا الأخير مؤلفين اثنين للإمام أحمد المنجور عدا ما ذكر آنفا وهما :

    13- المختصر المذهب من شرح المنهج المنتخب ، وهو اختصار للشرح السابق مخطوطة المكتبة الملكية بالرباط عدد 8054.

    14- شرح المختصر من ملتقط الدرر ، مخطوطات المكتبة الملكية بالرباط أعداد 172 و 5038 و 5302

 

     توفي رحمه الله بفاس ليلة الاثنين 16 ﺬو القعدة عام 995 هـ موافق 19 أكتوبر 1587 م ودفن بمطرح الجلة (القبب) خارج باب فتوح متصلا قبره بقبر شيخه  اليسيتني ،  قال ابن القاضي في درة الحجال : صارت الدنيا تصغر في عيني كلما تذكرت أكل التراب للسانه والدود لبنانه .

bottom of page